 |
| Islam Behery |
الدخان المبين
تقول الأسطورة ..أن من علامات الساعة التي تتقدمها قبل قيامها ظهور دخان عظيم يأتي من السماء فيعم الكون كله؛ فيخشى الناس من ذلك الدخان ويصيبهم الهلع والجزع؛ ويظنون أنه.
هل الدخان المبين من علامات يوم القيامة؟
سنبدأ بعرض الرواية من كتابي البخاري ومسلم ثم أراء الأوائل في محاولة إثبات الرواية، ثم نعرض الدليل من القرآن الكريم بنفي تلك الرواية الغير صحيحة.
أولًا:- الرواية في كتاب البخاري
عَنْ عبدِ اللَّهِ بن مسعود، قالَ: خَمْسٌ قدْ مَضَيْنَ: اللِّزَامُ، والرُّومُ، والبَطْشَةُ، والقَمَرُ، والدُّخَانُ، الراوي : مسروق بن الأجدع المصدر البخاري الرقم: 4825
ثانيًا:- الرواية من كتاب مسلم
(حَدَّثَنَا أَبُو خَيْثَمَةَ زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، وَإِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، وَابْنُ أَبِي عُمَرَ الْمَكِّيُّ - وَاللَّفْظُ لِزُهَيْرٍ، قَالَ إِسْحَاقُ: أَخْبَرَنَا، وقَالَ الْآخَرَانِ: حَدَّثَنَا - سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ فُرَاتٍ الْقَزَّازِ ، عَنْ أَبِي الطُّفَيْلِ، عَنْ حُذَيْفَةَ بْنِ أَسِيدٍ الْغِفَارِيِّ، قَالَ: اطَّلَعَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَيْنَا وَنَحْنُ نَتَذَاكَرُ، فَقَالَ: مَا تَذَاكَرُونَ ؟
قَالُوا: نَذْكُرُ السَّاعَةَ، قَالَ: إِنَّهَا لَنْ تَقُومَ حَتَّى تَرَوْنَ قَبْلَهَا عَشْرَ آيَاتٍ - فَذَكَرَ - الدُّخَانَ، وَالدَّجَّالَ، وَالدَّابَّةَ، وَطُلُوعَ الشَّمْسِ مِنْ مَغْرِبِهَا، وَنُزُولَ عِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَيَأَجُوجَ وَمَأْجُوجَ، وَثَلَاثَةَ خُسُوفٍ: خَسْفٌ بِالْمَشْرِقِ، وَخَسْفٌ بِالْمَغْرِبِ ،وَخَسْفٌ بِجَزِيرَةِ الْعَرَبِ، وَآخِرُ ذَلِكَ نَارٌ تَخْرُجُ مِنَ الْيَمَنِ ، تَطْرُدُ النَّاسَ إِلَى مَحْشَرِهِمْ) المصدر في مسلم حديث رقم 5293
ملحوظة:- سنفترض أن رواية مسلم صحيحة ومتواترة وليست آحاد، فالرسول قال لن تأتي الساعة إلا وتظهر 10 علامات فمن الممكن أن بعضها أتى والبعض الآخر لم يأتي فلن تظهر العشر علامات في فترة زمنية واحدة وهذا يؤيد أن الدخان كعلامة حدث وانتهى، أما باقي العلامات فلم تظهر بعد فالرسول في الحديث لم يحدد الفترة الزمنية التي ستظهر فيها هذه العلامات.
ثالثًا:- أراء المفسرون الأوائل في الرواية.
ا:- ابن كثير: قال ابن كثير مستدلاًّ بالأحاديث التي سبق ذِكرها أن الدخان من الآيات المنتظرة يوم القيامة، مع أنه ظاهر القرآن؛ قال الله - تبارك وتعالى
﴿فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاءُ بِدُخَانٍ مُبِينٍ﴾ [الدخان: 10]
2:- القرطبي: قال القرطبي - رحمه الله -: قال مجاهد: كان ابن مسعود يقول: (هما دخانانِ، قد مضى أحدهما، والذي بقي يملأ ما بين السماء والأرض، ولا يجد المؤمن إلا كالزكمة، وأما الكافر، فتثقب مسامعه).
3:- ابن جرير الطبري: قال (وبعد، فإنه غيرُ منكَر أن يكون أحَلَّ بالكفار الذين توعدهم بهذا الوعيد ما توعدهم، ويكون مُحِلاًّ فيما يُستأنف بعدُ بآخرين دخانًا على ما جاءت به الأخبارُ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم عندنا كذلك؛ لأن الأخبارَ عن رسولِ الله صلى الله عليه وسلم قد تظاهَرَت بأن ذلك كائنٌ؛ فإنه قد كان ما روى عنه عبدالله بن مسعود، فكِلا الخبرين اللذين رُوِيا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم صحيحٌ).
4:- النوويُّ :- قال النووي ويحتمل أنهما دخانانِ؛ للجمعِ بين هذه الآثار ولا شك أن الجمع هو أفضلُ الطرق، ولا منافاة بين الرأيين حينئذٍ، والله تعالى أعلم، ورد العلم إليه أسلمُ.
وقال الصحابي الجليل ابن مسعود: إنما هو عبارة عما نال قريشا من القحط حتى كانوا يرون بينهم وبين السماء كهيئة الدخان بمعنى أن الدخان هو ما أصاب قريشًا من الجوع بدعاء النبي صلى الله عليه وسلم. حتى كان الرجل يرى بين السماء والأرض دخانًا، وقال وقد كشفه الله عنهم، ولو كان يوم القيامة لم يكشفه عنهم، الصحابي المهاجر الجليل عبدالله ابن مسعود فهم فهمًا صحيحًا للآية وقال أن هذا الدخان ليس له علاقة بيوم القيامة وأنه حدث بالفعل لكفار قريش، ورأي صحابي من أكابر الصحابة له نفس الفهم ونفس القراءة التي سنقرأها لآية الدخان، والسؤال ما هي مشكلة الأوائل في أنهم يتدبروا آيات القرآن وسياقاته ويتفقوا مع قول الصحابي الجليل ابن مسعود وأن ما جاء من روايات في صحيح مسلم كلها روايات آحاد.
رابعًا:- الدليل من القرآن الكريم
قال تعالى في سورة الدخان (لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ ۖ رَبُّكُمْ وَرَبُّ آبَائِكُمُ الْأَوَّلِينَ بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ يَلْعَبُونَ فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاءُ بِدُخَانٍ مُبِينٍ يَغْشَى النَّاسَ ۖ هَذَا عَذَابٌ أَلِيمٌ رَبَّنَا اكْشِفْ عَنَّا الْعَذَابَ إِنَّا مُؤْمِنُونَ أَنَّى لَهُمُ الذِّكْرَىٰ وَقَدْ جَاءَهُمْ رَسُولٌ مُبِينٌ ثُمَّ تَوَلَّوْا عَنْهُ وَقَالُوا مُعَلَّمٌ مَجْنُونٌ، إِنَّا كَاشِفُو الْعَذَابِ قَلِيلًا ۚ إِنَّكُمْ عَائِدُونَ يَوْمَ نَبْطِشُ الْبَطْشَةَ الْكُبْرَىٰ إِنَّا مُنْتَقِمُونَ) الله سبحانه وتعالى يُخاطب الرسول محمد صلى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهو حي ويقول له (فارتقب) وسنبدأ بسياق كلمة (فارتقب) ودلالاتها من القرآن الكريم.
أولًا: سنقرأ القرآن طوليًا ونبحث فيه عن كلمة فارتقب في سورة القمر آية 27 (إِنَّا مُرْسِلُو النَّاقَةِ فِتْنَةً لَهُمْ فَارْتَقِبْهُمْ وَاصْطَبِرْ) سياق كلمة فارتقب هنا في حياة الأنبياء والرسل لكي يبشرهم الله بعد انتظارهم إما نصر من عند الله أو عذاب لقوم بعينهم. الله سبحانه وتعالى قال للرسول أذهب وارتقب بمعنى أنه يقول له أن من بعد الانتظار جاء العذاب والنذر الذي وعد الله به (قوم صالح) نتيجة لعدم التزامهم وإيمانهم برسول الله.
والسؤال هل في سياق آيات سورة الدخان عندما قال الله تعالى لسيدنا محمد صلى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "فارتقب يوم تأتي السماء بدخان مبين" كان يقصد أن ينتظر الرسول إلى يوم القيامة؟ ليكون الدخان علامة من علامات الساعة؟ كما فهم المفسرون الأوائل؟ فكيف سيرى الرسول دخان يوم القيامة؟ وكيف سينتظر كل هذا الوقت حتى يرى نصر الله له؟
وبما أن استخدام كلمة فارتقب تأتي في حين حياة الرسل وهذا الارتقاب يأتي في الرد والنصر أو العذاب لأهل الكفر من الله تعالى.. إذًا الدخان المبين حدث وانتهى في حياة الرسول صلى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
ثانياً: وبما أن سياق الآية يدل على أن المقصود من قول الله تعالى "بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ يَلْعَبُونَ" يشير إلى (كفار قريش في فترة مكة) إذًا عندما قال الله لرسوله فارتقب تعني أنه يطلب منه الصبر والانتظار ليرى النصر والعذاب لهؤلاء القوم الكافرين في حياته، وهذا الدخان خاص فقط بالكافرين من قريش دون المؤمنين لأنه ليس من العدالة الإلهية إذا وقع عذاب لقوم ما بسبب عدم إيمانهم وأذاهم للرسول أن يقع نفس العذاب للجميع.
وبهذا نثبت بالقرآن أن الدخان المقصود في الآيات هو دخان محلي حدث في حياة الرسول والمقصود به (كفار قريش) وليس دخان للبشرية جمعاء، وليس من علامات الساعة، الله يذكر بعد هذه الآية لماذا أرسل الدخان والعذاب للكافرين فقط لأنهم جاءهم رسول عظيم فكذبوه وأعرضوا عن دعوته العظيمة للإيمان بالله.
وقالوا عليه معلم لا يتلقى الكلام من الله، بل يكتبه من تلقاء نفسه، ثم قالوا عليه بعد ذلك أنه مجنون بمعنى أن مسه الجن، والتقليل من شأن العظماء على مر الزمان كان ومازال سنة من سنن الناس المتخلفة. والمتكبرة.
فرد الله تعالى "انا كاشفوا العذاب قليلا أنكم عائدون" تعني أن الله خفف وأزاح هذا العذاب عنهم، فهم راجعون إليه بعد موتهم وحينها يكون العذاب العظيم كما هو في قول الله البطشة الكبرى في يوم القيامة.
هذا التفسير والفهم لآيات سورة الدخان يعتبر تفسير منضبط وعقلاني بأن الدخان حدث بالفعل في حياة الرسول واختص بكفار قريش في مكة ثم كشف وأزاح الله هذا العذاب بعد ذلك.
ثالثًا:- الصحابي المهاجر الجليل عبدالله ابن مسعود
أحد الحفظة للقرآن الكريم، فهم نفس الفهم للآية وقال أن هذا الدخان ليس له علاقة بيوم القيامة وأنه حدث بالفعل في حياة الرسولﷺ.
نستنتج من كل ما سبق الآتي
1- ما يؤيد هذا الفهم وهذه القراءة لآيات القرآن هو الصحابي الجليل ابن مسعود والطبري من المفسرين الأوائل بأن الدخان قد تم لكفار قريش.
2- حديث مسلم يعتبر من الأحاديث الآحاد الذي يعود إلى صحابي واحد وهو حذيفة ابن أسد الغفاري ولنا مثل فيما قاله الأكابر السابقون أن الأحاديث الآحاد لا تُقام عليها أصول وعقائد.
3:- من سياق الآيات السابقة وإعادة قراءتها نستنتج أن الدخان المذكور في الآية لا يمكن بأي حال من الأحوال أن يُفهم على أنه علامة من علامات الساعة أو سيأتي يوم القيامة كما فهموا الأوائل، فلا ينبغي أن نهدر ونضيع معاني آيات القرآن في سبيل رواية آحاد ظنية الثبوت والدلالة، وبالتالي علامة الدخان المبين ليست من علامات قيام الساعة لأنها حصلت وانتهت في زمن الرسول صلى الله عليه وسلم، وأخيرًا وبعد جمع كل الأدلة وعرض كل الروايات والآراء على القرآن الكريم (الدخان المبين) ليس من علامات الساعة وبالفعل حدث وانتهى في زمن الرسول صلى الله عليه وسلم وهو على قيد الحياة وكان وعد الله له وكان لكفار قريش فقط.
يتم تفريع الحلقات بواسطة "منال صادق" مسؤولة السوشيال ميديا للدكتور إسلام بحيري.
شاهد هنا حلقة الدخان المبين كاملة
__________________________________________
المصادر: كتاب البخاري، كتاب مسلم، تفسير ابن كثير، تفسير القرطبي، علامات وأشراط الساعة، القرآن الكريم،محتوى برنامج البوصلة مع إسلام بحيري أساطير الأولين النسخة الرمضانية 2020.
