![]() |
إسلام بحيري |
موسى وملك الموت
هذة الأسطورة من إنتاج كتب وفقهاء التراث الإسلامي، ولم تنتقل من الإسرائيليات ولكن لها نفس الأثر
ودخلت من باب كتب الأحاديث.
![]() |
صورة أرشيفية
أولًا الرواية في كتب الأحاديث
1:- الرواية في
كتاب البخاري: عن أبي هريرة قال: أرسل ملك الموت إلى موسى
عليهما السلام، فلما جاءه صكه ففقأ عينه، فرجع إلى ربه فقال: أرسلتني إلى عبد لا
يريد الموت، قال: فرد الله إليه عينه وقال: ارجع إليه فقل له يضع يده على متن ثور
فله بما غطت يده بكل شعرة سنة، قال: أي رب ثم ماذا؟ قال: ثم الموت، قال: فالآن،
فسأل الله أن يدنيه من الأرض المقدسة رمية بحجر، فقال رسول الله صلى الله عليه
وسلم: فلو كنت ثم لأريتكم قبره إلى جانب الطريق تحت الكثيب الأحمر. الراوي : أبو هريرة التخريج :أخرجه البخاري
(1339)، ومسلم 2372.
2:- الرواية في كتاب مسلم من (باب فضائل موسى)
وروى مسلم عن أبي هريرة قال: أُرسل ملك الموت إلى
موسى ـ عليه السلام ـ فلما جاءه صكه ففقأ عينه، فرجع إلى ربه فقال: أرسلتني إلى
عبد لا يريد الموت، قال: فرد الله إليه عينه وقال: ارجع إليه فقل له يضع يده على
متن ثور، فله بما غطت يده بكل شعرة سنة، قال: أي رب ثم ماذا؟ قال: ثم الموت، قال
فالآن. فسأل الله أن يدنيه من الأرض المقدسة رمية بحجر. فقال رسول الله ـ صلى الله
عليه وسلم ـ "فلو كنت ثَمَّ لأريتكم قبره إلى جانب الطريق تحت الكثيب الأحمر أخرجه البخاري (1339) ومسلم 2372
الرواية فيها
إساءة لنبي الله موسى وللأسف تم وضعها في باب الفضائل، و تبرير هذه
الرواية من أهل التراث أخطر من إثبات الرواية في الكتب، فكيف لسيدنا موسى أن يرى
ملكً بخصائص غير بشرية وله قدرات خارفة لا يألفها البشر وخارج نطاق الفهم والقانون
الفيزيائي.
قانون آينشتاين: إذا تحرك جسم
بسرعة الضوء فانه سيفنى. وكيف لم ينتبه الفقهاء أن هذا الكلام يأخذ
الإنسان إلى مرحلة الخرافة والإعتقاد بها؟ وكيف لنبي من أنبياء الله أن يرفض لقاء
الله ويرفض أمر الله؟ هذا كلام غير عقلاني وغير منضبط، ولا يصح أن يكون منسوب لأي
دين أو أي نبي من أنبياء الله.
الرواية
ضد 86 آية في القرآن عن عظمة الملائكة واتصالهم بالبشر، ضد كمال النبوة، وضد قدر
الله، وضد أخلاق الأنبياء.
وضد
ميعاد الموت الذي لا يتغير أبدَا، وضد صفات الملائكة وضد مكانة ملك عظيم مثل ملك
الموت هذه الرواية تخالف كل مبادئ وأساسات القرآن الكريم.
تبريرات الأوائل لرواية ملك الموت
تبرير القرطبي لرواية البخاري
وقال القرطبي في تفسيره "ج 6 ص 132"
واختلف العلماء في تأويل لطم موسى عَين الملك وفقئها على أقوال، منها: أنها كانت
عينا مُتخيلة لا حقيقة، وهذا باطل؛ لأنه يؤدي إلى أن ما يراه الأنبياء من صور
الملائكة لا حقيقة له، ومنها أنها كانت عينًا معنوية، وإنما فقأها بالحجة. وهذا
مجاز لا حقيقة، ومنها أنه ـ عليه السلام .
لم يعرف
ملَك الموت، وإنما رأى رجلاً دخل منزله بغير إذنه يريد نفسه، فدافع عن نفسه فلطم
عينه ففقأها، القرطبي هنا يؤكد في كلامه ضرب سيدنا موسى لملك الموت وفقأ عينه.
تبرير ابن حجر لرواية مسلم
أن الله تعالى لم يبعث ملك الموت لموسى وهو يريد
قبض روحه حينئذ، وإنما بعثه إليه اختباراً، وإنما لطم موسى ملك الموت لأنه رأى
آدمياً دخل داره بدون إذنه ولم يعلم أنه ملك الموت، وقد أباح الشرع فقأ عين
الناظر في دار المسلم بغير إذن.
وقد جاءت الملائكة إلى إبراهيم وإلى لوط في صورة
آدميين فلم يعرفهم ابتداء، ولو عرفهم إبراهيم لما قدم لهم المأكول، ولو عرفهم
لوط لما خاف عليهم من قومه، هل لم يعرف ابن حجر والقرطبي وغيرهم من القرآن أن
ميعاد الموت أمر محتوم ولا يغيره الله لأحد أبدًا؟
وهل يصح أننا ننسب
لرسول ونبي من أولي العزم هذا التصرف السيء وهو الصفع على الخد وفقأ العين؟ أين أخلاق النبوة من هذا الفعل؟
من ناحية الملائكة
هل يصح أن ملك
الموت وما له من هيبة وإجلال أن يُضرب هكذا، وإذا فرضنا أن الملائكة تتمثل علي شكل
رجال فإنه تمثل شكلي لا يحدث منه أي تلامس وكل ذلك له دلائل وإثباتات في القرآن الكريم،
ولكن تبريرات الفقهاء لهذه الرواية شيء غريب وغير مقبول.
الأدلة من القرآن الكريم
أولًا:- الآيات التي
تعبر عن قيمة الأنبياء.
الآية الأولى قال
تعالى (وَإِذْ أَخَذْنَا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثَاقَهُمْ وَمِنْكَ وَمِنْ نُوحٍ
وَإِبْرَاهِيمَ وَمُوسَىٰ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ۖ وَأَخَذْنَا مِنْهُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا)
والآية الثانية
قال تعالى:- (وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ
اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ
وَالصَّالِحِينَ ۚ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا)"
والآية الثالثة
(أُولَئِكَ الَّذِينَ أَنْعَمَ
اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ مِنْ ذُرِّيَّةِ آدَمَ وَمِمَّنْ حَمَلْنَا
مَعَ نُوحٍ وَمِنْ ذُرِّيَّةِ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْرَائِيلَ وَمِمَّنْ هَدَيْنَا
وَاجْتَبَيْنَا ۚإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُ الرَّحْمَنِ خَرُّوا سُجَّدًا وَبُكِيًّا ۩)
الله سبحانه وتعالى يتكلم هنا عن اختيار الأنبياء
أولو العزم والمسؤولية الكبرى الملقاه على عاتقهم وهى (الميثاق الغليظ) فلا
يجوز أن يتم نسب فعل غير مسؤول لهؤلاء الأنبياء المذكورين بالإسم ومنهم سيدنا موسى
عليه السلام.
الآية الثالثة:- وقول
الله تعالى (وَإِذْ أَخَذَ
اللَّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ لَمَا آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ)
الآية الرابعة:- والتي تعبر عن
قيمة ومكانة الملائكة العظيمة قال تعالى :- (اللَّهُ يَصْطَفِي مِنَ الْمَلَائِكَةِ
رُسُلًا وَمِنَ النَّاسِۚإِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ) وكما يوجد عموم البشر والله يصطفي منهم الأنبياء،
يوجد أيضًا عموم الملائكة والله يصطفي منهم كبار الملائكة التي منها ملك الموت، فكيف
لملك اصطفاه الله ليكون من كبار الملائكة وبين نبي أخذ الله منه ميثاقًا غليظَا أن
يحدث هذا الفعل بينهما؟
الآية الخامسة:- في قيمة الملائكة، قال تعالى "(شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلَائِكَةُ وَأُولُو
الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِۚلَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ)" وهنا عطف الله الملائكة
على شهادته بالوحدانية وهنا تبين قيمة ومكانه الملائكة بالعموم فما بالنا
بالمصطفين منهم وكذلك سورة القدر (إِنَّا
أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ (1) وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ
(2) لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ (3) تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ
وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ (4) سَلَامٌ هِيَ حَتَّى
مَطْلَعِ الْفَجْرِ (5) هذه السورة التي تُظهر
قيمة الملائكة وهم يتنزلون بالقرآن في ليلة عظيمة كليلة القدر.
الآية السادسة:-
من سورة فاطر ( الْحَمْدُ لِلَّهِ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ جَاعِلِ
الْمَلَائِكَةِ رُسُلًا أُولِي أَجْنِحَةٍ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ ۚ يَزِيدُ فِي الْخَلْقِ مَا يَشَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ)"
تثبت الآيات أن خلق الملائكة شيء عظيم ومهيب فكيف
يكون نبى الله موسى ضرب ملك الموت وفقأ عينه؟
لقد حذر
القرآن الصحابة وقال لهم"ولا تكونوا كالذين
أذوا موسى" وهذا التحذير
للصحابة بأن لا يفعلوا برسولهم كما فعلوا قوم موسى قبلهم عندما أذوا موسى بالقول.
وكذلك يجب
أن يكون هذا التحذير أيضًا لمن بعدهم، الذين نسبوا لرسول الله صلى اللَّه عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ كثيرًا من الروايات المسيئة وللأسف ذهب تحذير الله لهم في مهب الرياح.
الآية السابعة:- عن من يُهين الملائكة
قال تعالى (أَفَأَصْفَاكُمْ رَبُّكُمْ بِالْبَنِينَ وَاتَّخَذَ مِنَ الْمَلَائِكَةِ
إِنَاثًا إِنَّكُمْ لَتَقُولُونَ قَوْلًا عَظِيمًا) الله سبحانه وتعالى يُشير في هذه إلى من يهين الملائكة
لمجرد إنهم يسمون الملائكة بأسماء الإناث وهذا لا يعني أن الآية تُقر هذا، بل
هذه كانت من ضمن عقليتهم القبلية القديمة في إهانة المرأة واعتقادهم بأن الأنوثة
أقل من الذكورة، فعندما علم الله أنهم أطلقوا على الملائكة أسماء الإناث،
إعتبرها سبحانه كبيرة من الكبائر، وخطأ عظيم وهذا ليس مراد الله، ولكنه في القرآن
يخاطبهم بعاداتهم التي كانت تقلل من شأن كل ماهو أنثوي
(أَمْ خَلَقْنَا الْمَلَائِكَةَ إِنَاثًا وَهُمْ شَاهِدُونَ)
الآية الثامنة:- سورة النجم قال تعالى (إِنَّ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ
لَيُسَمُّونَ الْمَلَائِكَةَ تَسْمِيَةَ الْأُنْثَى وَمَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ
ۖ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ ۖ وَإِنَّ الظَّنَّ لَا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا)
الله تعالى وصف من لا يؤمنون بالآخرة (الكفار الأصليين)
بوصف واحد فقط وهو أنهم يطلقون أسماء الإناث على الملائكة.
فتخيل بعد كل هذة الآيات الواضحة، التي تعظم
الملائكة، وتعلي من شأن الرسل والأنبياء، وبعد آيات أخرى كثيرة تحض على عدم إهانة
الملائكة ولو بكلمة.
أو بـ
إطلاق أسماء الإناث عليهم، هل بعد كل هذا يمكن أن نًصدق أحاديث قالت أن نبي من
الأنبياء ومن أولو العزم صفع ملاك مصطفى من كبار الملائكة على وجهه وفقأ عينه؟
لنتأمل أيضًا هذه
الآيات، سورة الزخرف "(وَجَعَلُوا الْمَلَائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبَادُ الرَّحْمَنِ إِنَاثًا أَشَهِدُوا خَلْقَهُمْ ۚ سَتُكْتَبُ شَهَادَتُهُمْ وَيُسْأَلُونَ) وقول الله تعالى (مَا نُنَزِّلُ الْمَلَائِكَةَ إِلَّا بِالْحَقِّ وَمَا كَانُوا إِذًا مُنْظَرِينَ)"وهنا الله يقول بالعموم أن الملائكة غير منظرين
للعين المجردة ولو افترضنا أن الملائكة تمثلوا بصورة بشر فـ إن هذا التمثيل يكون
مجرد تخيل فقط وليس بالتجسيم الحقيقي للبشر، الهدف من دس هذه الروايات هو إعطاء
قوة لنبي اليهود ليكون أقوى من الملائكة، ولتصل لنفس المتلقي فكرة إهانة الأنبياء،
حتى تصدق الناس فيما بعد الروايات المسيئة للرسول ﷺ مثل قتل هذا ولعن هذا وسب هذا. (وَمَا يُعَمَّرُ مِنْ مُعَمَّرٍ وَلَا يُنْقَصُ مِنْ
عُمُرِهِ إِلَّا فِي كِتَابٍ ۚ إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ)
هذه الآية تثبت أنه لا يوجد قيد على الله أبدا فـ
إذا شاء أن يًطيل أو يُقصر عمر إنسان فله ذلك فهو فعال لما يريد.
![]() |
صورة أرشيفية |
الإستنتاج الأخير
بعد كل هذة الآيات التي بينت قدر وعظمة الملائكة
المصطفين والأنبياء أولو العزم والميثاق الغليظ مثل سيدنا موسى عليه السلام، وأن
الملائكة غير منظرين أو مرئيين، وتعظيم إهانتهم لمجرد تسميتهم بأسماء الإناث وليس
الضرب والصفع، وأن تقدير الموت من الله لأي إنسان موعد لا رجعة فيه
ولا يتغير، بعد كل ذلك نستنتج أن هذه الرواية تخالف كل أساسات الدين وتسيء لأخلاق
نبي الله موسى عليه السلام، أنتم الآن الحكم على هذة الأحاديث التي تتبني
الأساطير وتضرب بكل قيم القرآن الكريم
عرض الحائط، ويجب أن نعرف جميعًا أن الهدف من وضع هذه الرواية هو التقليل من شأن
الأنبياء وشأن الملائكة و الطعن في قدرة الله عز وجل.
شاهد هنا حلقة موسى وملك الموت كاملة
__________________________________
المصادر: كتاب البخاري، كتاب مسلم، تفسير
القرطبي، شارح صحيح مسلم، القرآن الكريم. سورة الأحزاب الآية7، سورة النساء الآية
69، سورة مريم الآية 58، سورة ال عمران آية 81 والآية، سورة الحج 75، سورة فاطر
الآية1، سورة الإسراء الآية40، سورة النجم الآية 27، سورة الزخرف الآية 19، سورة
الزمر الآية42، سورة السجدة الآية 11.