![]() |
Islam Behery |
ماذا قالت الأسطورة؟ وهل الجنة التي أُخرج منها آدم عليه السلام هي جنة الخلد؟ أم جنة في الأرض؟
جنة آدم
جنة آدم ذهنية متأصلة ومستمرة على مدار كل القرون
الماضية، ومستقرة في العقل الجمعي للناس، تقول الأسطورة أن آدم عليه السلام كان في
الجنة بدون حساب وعذاب، وبعد وسوسة وغواية الشيطان أخطأ آدم وأكل من الشجرة،
فعاقبه الله وطرده من الجنة ثم هبط إلى الأرض، ليسعى فيها، ونسعى من بعده، ثم نموت
وننتقل إلى البرزخ ثم نُبعث ونُحاسب ثم نعود وندخل (جنة آدم) التي كان فيها، ومن خلال فهم المفسرين الأوائل سنطرح
تساؤلًا هل حدث تغيير في الخطة الإلهية ما عاذا الله؟ فمثلا لولا خطأ آدم لكان
سيعيش في الجنة إلى الأبد، ولم ينزل
ويهبط إلى الأرض، الله سبحانه وتعالى قدر الحياة والموت تقديرا مسبقًا من بدء أمر
الخلق ومن قبل خطأ آدم أصلاً، فهل الله غير خطته عندما عصاه آدم، حاشا لله أن يفعل
هذا.
الأدلة من القرآن الكريم
الآن سنعرف معًا ماذا يقول القرآن الكريم في قصة
جنة آدم عليه السلام، حسب السياق واللغة والقراءة الصحيحة له كوحدة واحدة موضوعية
مترابطة.
الآية الأولى: الآية تدور في
سياق طرد آدم من الجنة وهبوطه للأرض،
قال تعالى
"فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطَانُ
عَنْهَا فَأَخْرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِ ۖ وَقُلْنَا اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ ۖ وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ * قُلْنَا اهْبِطُوا
مِنْهَا جَمِيعًا ۖ فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنْ تَبِعَ هُدَايَ فَلَا خَوْفٌ
عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ" فهم المفسرون الأوائل أن كلمة اهبطوا معناها أن
(يطيروا من الجنة إلى الأرض). وهذا المعنى خطأ.
الآية الثانية: قول
الله تعالى"فَقُلْنَا يَا آدَمُ إِنَّ هَٰذَا عَدُوٌّ لَكَ وَلِزَوْجِكَ فَلَا يُخْرِجَنَّكُمَا مِنَ الْجَنَّةِ فَتَشْقَىٰ إِنَّ لَكَ أَلَّا تَجُوعَ فِيهَا وَلَا تَعْرَىٰ وَأَنَّكَ لَا تَظْمَأُ فِيهَا وَلَا تَضْحَىٰ فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ الشَّيْطَانُ قَالَ يَا آدَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلَىٰ شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لَا يَبْلَىٰ * ثُمَّ اجْتَبَاهُ رَبُّهُ فَتَابَ عَلَيْهِ وَهَدَىٰ * قَالَ اهْبِطَا مِنْهَا جَمِيعًا ۖ بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ ۖ فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ
وَلَا يَشْقَىٰ" وهنا الله سبحانه وتعالى وصف الجنة بعدة أوصاف أساسية
للحياة وهي عدم الجوع وعدم التعري وعدم العطش فقط ،وكلمة "اهبطا" وردت
في الآية للتثنية.
الآية الثالثة: في قول
الله تعالى"(يَا بَنِي آدَمَ لَا يَفْتِنَنَّكُمُ
الشَّيْطَانُ كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُمْ مِنَ الْجَنَّةِ يَنْزِعُ عَنْهُمَا
لِبَاسَهُمَا لِيُرِيَهُمَا سَوْآتِهِمَا ۗ إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لَا تَرَوْنَهُمْ ۗ إِنَّا جَعَلْنَا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاءَ لِلَّذِينَ لَا
يُؤْمِنُونَ" الله تعالى هنا ينصح جميع بني آدم بعدم إتباع الشيطان كما إتبعه آدم، فكان سبب
خروجه من الجنة، وفي آيات الخلق قال تعالى "مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ وَفِيهَا
نُعِيدُكُمْ وَمِنْهَا نُخْرِجُكُمْ تَارَةً أُخْرَىٰ" كلمة خلقناكم تعني خلقناكم من تراب الأرض ثم نعيدكم
في القبور فكيف خُلق آدم من تراب الأرض وهو في الجنة؟ والآية هنا تنفي فكرة أن آدم كان في (جنة الخلد) قبل هبوطه إلى الأرض، وتثبت إنها
فكرة خاطئة من الأساس وفهم خاطئ لآيات القرآن من الفقهاء الأوائل.
ومفتاح الفهم هنا
يكُمن في
معنى كلمة "الجنة" وكلمة "اهبطوا"
أولًا: كلمة جنة.
آيات في القرآن الكريم تثبت ان جنة آدم كانت في
الأرض (وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ
خَلِيفَةً ۖ قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ
نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ ۖ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ) في البداية سنركز على هذه الآية لأنها تعتبر
قراراً من الله وتقدير مسبق أن آدم سيكون مقره الأساسي في الأرض وليست مقر بعد
عصيانه لأمر الله.
وقول الملائكة لله تعالى "أتجعل فيها من
يفسد فيها ويسفك الدماء" كلمة فيها هنا تعود على الأرض، وتدل على أن آدم
كان في الأرض وليس في جنة الخلد في السماء، وهذا يعني أن الله لا يغير قرارته
بناء على خطأ آدم ولا يصح ذلك القول عن الذات الإلهية.
جزء من تفسيرات الأوائل (تفسير الطبري)
فَأَزَلَّهُمَا
الشَّيْطَانُ عَنْهَا فَأَخْرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِ ۖوَقُلْنَا اهْبِطُوا
بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ ۖوَلَكُمْ فِي
الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَىٰ حِينٍ"
وقلنا اهبطوا
منها" الطبري ذكر آدم وحواء ومعهما (الحية ثعبان) وقال لهم
الله اهبطا من السماء إلى الأرض وهذة الرواية متعددة السند ومصدرها من
الإسرائيليات، وأكمل الطبري أن الصواب في قول أن الله أمر آدم وحواء وإبليس
والحية بالهبوط إلى الأرض ولهم مستقر وحياة فيها.
وعن الآيةالثانية "قال فأخرجهما مما كان فيه وقلنا
اهبطوا بعضكم لبعض عـدو، قال
الطبري
أن الله هو السبب في إخراج آدم من الجنة، وأن إبليس لم يضف في إخراج آدم من
الجنة شيئا، واختلف أهل التأويل في من هم القوم الذين هبطوا إلى الأرض ولكن أجمعوا
في نفس الوقت أن آدم وزوجه هما ما عُنى بهما الأمر مع عدم إجماعهم على
أن إبليس والحية كانا معهما، ولكن اتفقوا على أن معنى كلمة (اهبطوا هي الطيران والنزول إلى
الأرض) وذكر المفسرون الأماكن التي هبط فيها آدم وحواء ويرجع كل ذلك إلى
الإسرائيليات.
أما ابن كثير اختلف في مكان هبوط آدم وحواء ولكن لا يختلف أنهم نزلوا وطاروا من الجنة إلى الأرض، وجاءوا بقصة الحية من الإسرائيليات، ومعنى كلمتي (الجنة واهبطوا) الأمر لا يحتاج لعلماء وباحثين إنما لهداية وتأمل بسيط، فمثلًا في سورة القلم يقول الله تعالى (سَنَسِمُهُ عَلَى الْخُرْطُومِ (16) إِنَّا بَلَوْنَاهُمْ كَمَا بَلَوْنَا أَصْحَابَ الْجَنَّةِ17) الله تعالى يتكلم في الآية عن شخص عاش أيام النبي ويقول أنه مثل قوم سابقين.
وسماهم أصحاب الجنة والجنة تعنى هنا الشيء المخفي عن الأنظار أو المستور، فهؤلاء قوم كانوا يعيشون في الأرض وكانوا يمتلكون حقل أو حديقة كبيرة تثمر فالجنة هنا مكان أرضي وليست جنة الخلد.
وفي قول الله تعالى (فَأَعْرَضُوا فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ سَيْلَ الْعَرِمِ وَبَدَّلْنَاهُم بِجَنَّتَيْهِمْ جَنَّتَيْنِ ذَوَاتَيْ أُكُلٍ خَمْطٍ وَأَثْلٍ وَشَيْءٍ مِّن سِدْرٍ قَلِيلٍ) هنا يتكلم الله عن قوم كانوا يعيشون ويمتلكون جنتين، وجاء سيل وفيضان شهير اسمه (العرم) فدمرهم ثم أبدلهم الله جنتين أخرتين وكل الكلام هنا عن أماكن أرضية.
وفي سورة الفرقان أيضًا يقول الله تعالى "أَوْ يُلْقَىٰ إِلَيْهِ كَنزٌ أَوْ تَكُونُ لَهُ جَنَّةٌ يَأْكُلُ مِنْهَا ۚ وَقَالَ الظَّالِمُونَ إِن تَتَّبِعُونَ إِلَّا رَجُلًا مَّسْحُورًا" وتعني بالمثل مكان أو حديقة أو حقل مثمر.
وفي سورة الكهف قول الله تعالى (وَدَخَلَ جَنَّتَهُ وَهُوَ ظَالِمٌ
لِّنَفْسِهِ قَالَ مَا أَظُنُّ أَن تَبِيدَ هَذِهِ أَبَدًا (35)وَلَوْلَا إِذْ
دَخَلْتَ جَنَّتَكَ قُلْتَ مَا شَاءَ اللَّهُ لَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ ۚ إِن تَرَنِ أَنَا أَقَلَّ مِنكَ مَالًا وَوَلَدًا وَلَوْلَا إِذْ دَخَلْتَ
جَنَّتَكَ قُلْتَ مَا شَاءَ اللَّهُ لَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ ۚ إِن تَرَنِ أَنَا أَقَلَّ مِنكَ مَالًا وَوَلَدًا)
وقول الله في سورة
الإسراء عندما خاطب الكفار سيدنا محمد ﷺ
ليطلبوا منه معجزة للإيمان به "أَوْ تَكُونَ لَكَ جَنَّةٌ مِّن نَّخِيلٍ
وَعِنَبٍ فَتُفَجِّرَ الْأَنْهَارَ خِلَالَهَا تَفْجِيرًا"
كل الآيات السابقة وصفت الجنة بأنها مكان يمتلكه أشخاص على الأرض به ثمار
وأشجار وزهور.
أما إذا قصد الله بلفظ الجنة (جنة الخلد في الآخرة) ستأتي كما في
هذه الآية قال تعالى (قُلْ أَذَلِكَ خَيْرٌ أَمْ جَنَّةُ الْخُلْدِ الَّتِي
وُعِدَ الْمُتَّقُونَۚكَانَتْ لَهُمْ جَزَاءً وَمَصِيرًا) وهذا موضوع آخر في السياق والمدلول اللغوي يحدد
لنا المعنى (جنة
الخلد أو جنة المأوى)
ثانيًا كلمة اهبطوا
في
الآيات الآتية قال تعالى:-
وَإِذْ قُلْتُمْ يَا مُوسَىٰ لَن نَّصْبِرَ عَلَى طَعَامٍ وَاحِدٍ فَادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُخْرِجْ لَنَا مِمَّا تُنبِتُ الْأَرْضُ
مِن بَقْلِهَا وَقِثَّائِهَا وَفُومِهَا وَعَدَسِهَا وَبَصَلِهَا ۖ قَالَ أَتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَدْنَى بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ ۚ اهْبِطُوا مِصْرًا فَإِنَّ لَكُم مَّا سَأَلْتُمْ ۗ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ وَالْمَسْكَنَةُ وَبَاءُوا بِغَضَبٍ
مِّنَ اللَّهِ ۗ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُوا يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ
بِغَيْرِ الْحَقِّ ۗ ذَلِكَ بِمَا عَصَوا وَّكَانُوا يَعْتَدُون) وهنا يعني الله النزول والذهاب لأي بلد أو مدينة
وليس الهبوط من السماء.
(وليس مصر بالتحديد هي المراد ذكرها) المراد النزول (الهبوط) إلى أي بلد حتى يجد قوم بني إسرائيل نوعية هذا الطعام.
والسؤال..هل كان قوم بني إسرائيل في السماء ونزلوا إلى
الأرض؟ بالتأكيد لا، لأنهم كانوا في الأرض! والهبوط هنا المقصود به
الإنتقال من مكان إلى آخر، وهذا موجود في أغلب لهجات الشعوب المختلفة مثل
عندما أقول مثلًا أنا نازل وسط
البلد، أو أنا نازل إلى المدينة، هل
هنا أنا أقصد أنني سأطير مثلًا وأهبط من السماء.
الإستنتاج الآخير في هذه الأسطورة
بما إنه من كل الآيات السابقة أتضح لنا أن السياق
القرآني الطولي، وتفسير القرآن بعضه ببعض كان مفقوداً عند فهم الفقهاء الأوائل، إذًا
نستنتج الآتي
جنة آدم
والمعنى والفهم السائد المستقر بأن آدم كان في
جنة الخلد ثم أخطأ ثم هبط
ونزل من السماء إلى الأرض كلام ليس له أساس، والقرآن يثبت لنا أن جنة آدم مكان
في الأرض وليست في السماء كما قالت الأسطورة.
المصادر: القرآن الكريم، سورة البقرة الآيات 36،
30، 61، سورة الكهف الآيات 35و39، سورة الأعراف الآية 20، سورة الإسراء الآية 91،
سورة الملك الآية 27، سورة الفرقان الآية 8، سورة سبأ الآية 16، سورة الفرقان
الآية 15.