أساطير الأولين: الضلع الأعوج

إسلام بحيري
قالت الروايات أن من علامات الساعة خروج "دابة الأرض" هذه الدابة تخرج في آخر الزمان عند فساد الناس، وتركهم أوامر الله، وتبديلهم الدين الحق، يخرج الله لهم دابة من الأرض، قيل: من مكة، وقيل: من غيرها... فتكلم الناس على ذلك..فهل هذه حقيقة؟

دابة الأرض آخر الزمان

تقول الأسطورة  أنه في آخر الزمان ستخرج علينا دابة الأرض تكلمنا، ووصفها المفسرون بأنها ستكون ضخمة جدًا وستكلم الناس بألسنتهم، وتسير في الأسواق وتنكح النساء وتأكل الطعام، وأخذوا يقولون عنها أوصاف كثيرة منها أن هذهِ (الدابة) من الصنف الحيواني المفترس القوي جدًا وإنها علامة من علامات الساعة الكبرى.

والسؤال من أين جاءت هذه الأسطورة الغريبة وكيف صدقها الناس؟ ماهى دابة الأرض وأين تم ذكر الدابة في القرآن الكريم؟

ملحوظة:- معنى كلمة دابّة: (اسم) والجمع: دوابُّ

الدَّابَّةُ: كلُ ما يَدِبُّ على الأرض، وقد غلب على ما يُركَبُ من الحيوان (للمذ كر والمؤنث) والجمع: دوابُّ

إذًا دابّة الأرْض: هى كل ما يدب على الأرض.

رواية ظهور الدابة

﴿عَنْ حُذَيْفَةَ بْنِ أَسِيدٍ الْغِفَارِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ : اطَّلَعَ النَّبِيُّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَيْنَا وَنَحْنُ نَتَذَاكَرُ . فَقَالَ : " مَا تَذْكُرُونَ ؟ " قَالُوا : نَذْكُرُ السَّاعَةَ . قَالَ : " إِنَّهَا لَنْ تَقُومَ حَتَّى تَرَوْا قَبْلَهَا عَشْرَ آيَاتٍ، فَذَكَرَ الدُّخَانَ، وَالدَّجَّالَ، وَالدَّابَّةَ، وَطُلُوعَ الشَّمْسِ مِنْ مَغْرِبِهَا ، وَنُزُولَ عِيسَى بْنِ مَرْيَمَ ، وَيَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ ، وَثَلَاثَةَ خُسُوفٍ : خَسْفٌ بِالْمَشْرِقِ ، وَخَسْفٌ بِالْمَغْرِبِ ، وَخَسْفٌ بِجَزِيرَةِ الْعَرَبِ ، وَآخِرُ ذَلِكَ نَارٌ تَخْرُجُ مِنَ الْيَمَنِ تَطْرُدُ النَّاسَ إِلَى مَحْشَرِهِمْ ، وَفِي رِوَايَةٍ : " نَارٌ تَخْرُجُ مِنْ قَعْرِ عَدَنَ تَسُوقُ النَّاسَ إِلَى الْمَحْشَرِ ﴾

 راوي الحديث: أبو هريرة، الحديث (متفق عليه)

 تخريج الحديث: مسلم حديث (2901)، وأخرجه البخاري حديث(2140)

رواية ظهور الدابة في كتاب مسلم

عن حذيفة بن أسيد الغفاري قال: "أَشْرَفَ عَلَيْنَا رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم مِنْ غُرْفَةٍ وَنَحْنُ نَتَذَاكَرُ السّاعَةَ، فقال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: "لاتَقُومُ السّاعَةُ حَتّى تَرَوْا عَشْرَ آيَاتٍ: طُلُوعُ الشّمْسِ مِنْ مَغْرِبِهَا وَيَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ وَالدّابّةُ وَثَلاَثَةُ خُسُوفٍ: خَسْفٍ بالمَشْرِقِ وَخَسْفٍ بالمَغْرِبِ وَخَسْفٍ بِجَزِيرَةِ الْعَرَبِ، وَنَارٌ تَخْرُجُ مِنْ قَعْرِ عَدَنٍ تَسُوقُ النّاسَ أَوْ تَحْشُرُ النّاسَ فَتَبِيتُ مَعَهُمْ حَيْثُ بَاتُوا، وَتَقِيلُ مَعَهُمْ حَيْثُ قَالُوا"    

حديث رقم 5293 - من كتاب صحيح مسلم - كتاب الْفِتَنِ وَأَشْرَاطِ السَّاعة

كيف جاء ذكر الدابة في القرآن الكريم

1:- وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَثَّ فِيهِمَا مِن دَابَّةٍ ۚ وَهُوَ عَلَىٰ جَمْعِهِمْ إِذَا يَشَاءُ قَدِيرٌ (29) الشورى.

2:- وَكَأَيِّن مِّن دَابَّةٍ لَّا تَحْمِلُ رِزْقَهَا اللَّهُ يَرْزُقُهَا وَإِيَّاكُمْ ۚ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (60) العنكبوت.

3:- فَلَمَّا قَضَيْنَا عَلَيْهِ الْمَوْتَ مَا دَلَّهُمْ عَلَى مَوْتِهِ إِلَّا دَابَّةُ الْأَرْضِ تَأْكُلُ مِنسَأَتَهُ فَلَمَّا خَرَّ تَبَيَّنَتِ الْجِنُّ أَن لَّوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ الْغَيْبَ مَا لَبِثُوا فِي الْعَذَابِ الْمُهِينِ (14) سبأ.

في كل سياق الآيات السابقة الدابة لا تعني إلا كل ما له دبيب على الأرض فهو دابة وكل حيوان يدب على الأرض هو دابة، وكلام الدابة ونطقها وإدراكها مستحيل حدوثه.

تفسير الأوائل لجملة وقع القول عليهم

وقع القول عليهم تم ذكرها في القرآن الكريم مرتين فقط في سورة النمل    

1:- ۞ وَإِذَا وَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ أَخْرَجْنَا لَهُمْ دَابَّةً مِّنَ الْأَرْضِ تُكَلِّمُهُمْ أَنَّ النَّاسَ كَانُوا بِآيَاتِنَا لَا يُوقِنُونَ (82)

2:- ۞ وَوَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِم بِمَا ظَلَمُوا فَهُمْ لَا يَنطِقُونَ (85)

في تفسيرات الطبري وابن كثير

وإذا وقع القول عليهم  قالوا أن معناها حق عليهم

الثانية ..ووقع القول عليهم، حق العذاب. الطبري وابن كثير لم يحددوا أي فرق بين الآيتين، وتجاهلوا تمامًا لفظ (إذا) واعتبروا أنها كلمة زائدة وبلا معنى، بمعنى إذا زادت كلمة من الله أو نقصت لن تشكل فرق كبير، وهذا خطأ كبير من المفسرين الأوائل لا يتفق مع عظمة القرآن الكريم.

" وإذا وقع عليهم" فهي تعني الغضب من الله، وقول الله" ووقع القول عليهم" تعني موت العلماء وذهاب العلم ورفع القرآن

ثم قال القرطبي في تفسير نفس الآيات

"وإذا وقع القول عليهم" تعني وقع الغضب من الله، وقول الله" ووقع القول عليهم" تعني موت العلماء وذهاب العلم ورفع القرآن، وهذا الكلام ليس له أي علاقة بالمعني الصحيح للآية.

وهناك رأي لـ محمد رشيد رضا في مجلة المنار العدد 757 صفحة 28(هذه الآية مما أخبر الله به في المستقبل البعيد فهى من أنباء الغيب التي تؤخذ بالتسليم ما لم يكن ظاهرها محالاً، فتحمل على خلاف ظاهر التأويل كما هي القاعدة، وإنه لا يجب لمسلم أن يقف عند تلك الأحاديث وأمثالها، لأنها ليست من أركان الإيمان ولا من أركان الإسلام، لأنها ألفاظ تحتمل معاني كثيرة)

سياق كلمة إذا في القرآن الكريم

فكلمة إذا في البلاغة تفيد الاحتمال.

مثال:- الآية (40) من سورة النحل (إِنَّمَا قَوْلُنَا لِشَيْءٍ إِذَا أَرَدْنَاهُ أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ)" إذا هنا تحتمل أن الله يريد هذا الشيء أو لا يريده، فالنحو لا يحكم معاني وبلاغة القرآن، وهناك فرق كبير بين النحو وبين البلاغة، ومعنى الآيات التي تبدأ بقول الله"وإذا وقع القول عليهم أن الله عندما خاطب الرسول صلى الله عليه وسلم ولأن كفار قريش لن يؤمنوا به، قال له بمعنى أن إفتراضًا لو أراد الله، (إذا أراد الله) سبحانه وتعالى لكان أخرج لهم دابة من الأرض لتكلمهم، حتى يؤمنوا، هنا إذا تفيد الإحتمال إذا أراد الله ولكن الله لن يفعل لعلمه أن كفرهم شديد ولن يؤمنوا حتى في وجود آيات أو معجزات، ثم استكمل الله سبحانه وتعالى كلامه وقال في الآية، "أَنَّ النَّاسَ كَانُوا بِآيَاتِنَا لَا يُوقِنُونَ" هذا كلام الله وليس كلام الدابة، كما فسرها المفسرون الأوائل فكلهم اتفقوا علي أن قول الله بعد تكلمهم "أَنَّ النَّاسَ كَانُوا بِآيَاتِنَا لَا يُوقِنُونَ" هذا من قول وكلام الدابة نفسها، وهذا تفسير خاطئ للآيات، الصحيح أن هذة الجملة هي كلام الله ذاته، وهذا يفيد أن القوم الكافرين لن يؤمنوا بمحمد حتى في وجود آيات ومعجزات لذلك استخدام الله لهذا الأسلوب البلاغي الذي يفيد الإحتمال باستخدام كلمة "إذا"، الشىء الأهم في كل الآيات أن الله سبحانه وتعالى لم يذكر نهائيًا أحداث الساعة.

 وقول الله "وَيَوْمَ نَحْشُرُ مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ فَوْجًا مِمَّنْ يُكَذِّبُ بِآيَاتِنَا فَهُمْ يُوزَعُونَ، حَتَّىٰ إِذَا جَاءُوا قَالَ أَكَذَّبْتُمْ بِآيَاتِي وَلَمْ تُحِيطُوا بِهَا عِلْمًا أَمَّاذَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ، وَوَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ بِمَا ظَلَمُوا فَهُمْ لَا يَنْطِقُونَ) هنا تنتقل بنا الآيات الكريمة لموقف اليوم الآخر في سياق مختلف ومغاير عما كان يتحدث الله به لرسوله ويقول (إن الكافرين لن يؤمنوا بالمعجزات حتى لو أرسلها الله لنبيه) ولا يوجد في كل الكلام شيئًا واحدًا له أي علاقة بـ احتمال ظهور الدابة يوم الحشر، ثم ينتقل الله سبحانه وتعالى في الآيات إلى موقف يوم الحشر ويقول "ووقع القول عليهم" وهذا يعني أن الله قدر هذا الفعل عليهم ولا يوجد أي احتمال هناك في يوم الحساب.

الاستنتاج الأخير بعد قراءة كل آيات القرآن الكريم، ولأن القرآن نص بلاغي عقلاني من إله عظيم متوافق مع بعضه فلا وجود لشيء اسمه دابة الأرض التي ستخرج آخر الزمان وتكلم الناس، وكل الأحاديث التي أسست لهذه الأسطورة أحاديث آحاد مصدرها ضعيف من الإسرائيليات.

 شاهد هنا حلقة دابة الأرض كاملة

 يتم تفريغ الحلقات بواسطة "منال صادق" مسؤولة السوشيال ميديا للدكتور إسلام بحيري

______________________ 

المصادر: القرآن الكريم صحيح البخاري صحيح مسلم تفسير ابن كثير تفسير القرطبي مجلة المنار العدد 757 صفحة 28، محتوى برنامج البوصلة مع إسلام بحيري أساطير الأولين النسخة الرمضانية 2020.